بقلم : رشيد الكرّاي
هل كان يدور بخلد أحد من حوالي مليون ونصف المليون تونسي صوّتوا في تشريعية 2014 لفائدة حزب نداء تونس أن يتحوّل هذا الحزب من حلّ للدولة إلى عبء عليها ، بل إلى عبء ثقيل زاد في تراكم همومها ومشاكلها وكوارثها التي خلّفتها حقبة التأسيس والترويكا الحكومية خلال تلك السنوات الثلاث السوداء؟
من كان يتصوّر أن تتحوّل تلك النخلة الشامخة التي لم تتجاوز سنّ الثانية من عمرها إلى ما وصفه إبراهيم ناجي في قصيدته الخالدة الأطلال “كان صرحا من خيال فهوى” ؟ هل حقا ولد هذا المولود السياسي ميّتا كما يقول البعض ؟ هل كان لحظة تاريخية انتهى مفعولها وزالت أسبابها وبات صورة من الماضي يتكفّل بها المؤرخون ؟ هل فعلا كان هذا الحزب جلبابا على مقاس صانعه ليصل به إلى سدّة الرئاسة ولا يقدر أحد على لباسه من بعده ؟ وهل خذل الأتباع والمريدون إرادة الزعيم المؤسس في جعل الحزب خيمة لكل التونسيين أو أغلبهم كما كان حزبهم التاريخي الحزب الدستوري بتسمياته المتغيّرة ، حافظا للدولة ولمكتسباتها التاريخية ، سدّا منيعا أمام المغامرين من أتباع الإيديولوجيات المتطرفة بيمينها ويسارها ؟ كل هذه الأسئلة وغيرها تدور في أذهان من اعتقد لحظة في هذا الحزب وزعيمه المؤسس رئيس الجمهورية الحالي الباجي قايد السبسي ، وفي القلب حسرة وفي الصدر غصّة مما آلت إليه الأمور من أوضاع شبيهة بتلك التي عاشها التونسيون زمن تأسيس الحزب ومخاطر استفراد تيارات الإسلام السياسي بالبلاد والعباد .
نعم بعد حوالي خمس سنوات نشعر وكأن الزمن لم يتحرك ، وأننا عدنا إلى النقطة الصفر نبحث عن البديل القادر على طمأنة التونسيين على مصير دولتهم وقد غدت كرة تتقاذفها أهواء الجهلة والمغامرين ، والقادر على الوقوف أمام الماكينة الرهيبة للإخوان ، رغم تبدّل الظروف والتحالفات وبروز لاعبين جدد تحوم حولهم الكثير من شبهات سلامة النوايا وصدق الأقوال. من السهل الانسياق وراء التهم التي يتبادلها رموز شقوق نداء تونس ، وتحميل أزمات الحزب إلى ابن أبيه ذلك الذي تعرّف التونسيون على وجهه إلاّ مؤخرا ولا يعرفون له من صوت إلاّ ما ندر ، ولا يعلمون له من تاريخ في العمل السياسي وأغواره ومطبّاته إلاّ ما التصق باسم أبيه بعد تأسيس ندائه .
ولسائل أن يسأل إذا كان الأمر كذلك فأين يكمن الإشكال ؟ وأين مربط الفرس ؟ جوابي الشخصي أن حافظ ابن أبيه بتلك المؤهلات التي لا تكاد تذكر ، وبتلك الانطباعية الصبيانة ، أعجز من قيادة حزب في حجم نداء تونس إلى تلك الوضعية الكارثية التي بات عليها ، بل أكاد أجزم بأنه هو شخصيا ضحيّة من ضحايا الحزب الكثيرين الذين صنعهم في الحقيقة والده المؤسس ، المهوس إلى درجة المرض بالإرث البورقيبي في أدق تفاصيله وحتى المظهري منه ، بما فيه من نرجسية وتعظيم للأنا ، وهي سمات لا ينكرها أحد عن الزعيم التاريخي لتونس الحديثة رغم مناقبه الكثيرة وصفاته الإنسانية والسياسية العديدة. والرئيس الباجي مؤسس النداء وهو يقف اليوم على أطلال حزبه ، لم يخرج في الحقيقة عن إحدى أبرز آفات العمل السياسي التونسي خاصة والعربي عامة ، وهي تضخيم دور الفرد على حساب دور المجموعة. الأنا في مواجهة ال هم وتغييب مدلول نحن . البعض يطلق عليها الشخصانية في العمل الحزبي والبعض يصفها بالذاتية المريضة ، لكن مهما اختلفت الأوصاف والمسميات يبقى السلوك والتعبير عن هذه الحالة ممارسا في أشكال مختلفة.
نداء تونس هو في المحصّلة بحافظه وطوباله ، ضحية القيادة النرجسية للرئيس المؤسس ، وهي أحد أساليب القيادة التي لا يهتم فيها القائد سوى بنفسه ، فتتمركز الأولوية عند مثل هذه الشخصية حول نفسها ، ويكون ذلك بالضرورة على حساب الشعب أفرادا وجماعات. ويعبر القائد النرجسي عن نفسه في سلوكه بمواقف وأفعال نرجسية متمثلة في الغطرسة والهيمنة والعدائية. وقد تتراوح النرجسية في أي مكان بين كونها أمرًا صحيًا أو مدمرًا ، لكن بعض النقاد يعتبرون أن القيادة النرجسية وبخاصة المدمرة كما هو موضع حديثنا ، تكون مدفوعة بصفات من الغطرسة المتعنتة، والانشغال بالذات، والحاجة الشخصية الأنانية للحصول على النفوذ والإعجاب شعارهم في ذلك أنا ومن بعد الطوفان …
التعليقات مغلقة.