أي مصير ينتظر أطفال “داعش” التونسيين؟
بقلم : هدى الطرابلسي
مؤلم أن تعيش سنوات في انتظار لقاء ابن أو ابنة، والأكثر إيلاماً هو أن الشخص البعيد عنك يعيش ظروفاً سيئة وأنت لا حيلة لك… هذه هي حال عشرات العائلات التونسية التي التحق أبناؤها بتنظيم “داعش” ورُزقوا بأطفال.
يقول المنصف العبيدي إن أخته تقبع في سجن بمعيتيقة في ليبيا منذ العام 2016 لأنها زوجة عنصر في “داعش”، وقد قُتل في إحدى المعارك. وهي تنتظر مع ابنها (خمس سنوات) المساعدة.
يضيف العبيدي بحرقة “ليس لها أي ذنب سوى أنها ذهبت مع زوجها في العام 2013 للعمل في مستشفى في ليبيا، وفجأة تغيّر زوجها وأصبح مقاتلاً، فانقلبت حياتهما رأساً على عقب”. يضيف “استنجدت أختي بنا، لكن من دون جدوى وها هي تنتظر الفرج في السجن برفقة ابنها براء”.
ويحاول العبيدي مساعدة أخته وطفلها، خصوصاً أن الطفل براء أُصيب برصاصة في كتفه وحالته تتطلب عملية لا يمكن القيام بها في ليبيا.
يحدو الأمل العبيدي، وهو متفائل بعودة أخته وابنها إلى تونس، خصوصاً أنه من الأطفال الذين خضعوا لفحوص للتعرف إليهم وإرجاعهم إلى تونس، لكن في الوقت نفسه لا يخفي قلقه من مماطلة السلطات التونسية، التي يعتبرها مقصّرة في هذا الملف ولم تقم بواجبها تجاه الأطفال الأبرياء، وفق تعبيره.
لا وجود لطرف رسميّ في سوريا
كشف مهيار حمادي، المندوب العام لحماية الطفولة في تونس، عن العمل مع وزارة الخارجية التونسية لتسوية أوضاع الأطفال العالقين في بؤر التوتر. ويوضح أن هناك إهتماماً بمن لا يملكون سنداً والموجودين مع أمهاتهم في السجون في ليبيا. ويؤكد أنهم طرف في مسار التنسيق، علماً أنه توجد جهات أخرى دبلوماسية تعمل على استرجاع الأطفال.
ويوضح أن الأطفال العالقين في سوريا والعراق موجودون في مخيمات ولا توجد جهات رسمية للتفاوض معها على غرار حال الموجودين في ليبيا.
أما العدد المقدّر للأطفال العالقين في ليبيا وسوريا والعراق فهو نحو 200.
التحضير للعودة
يتوقّع مصطفى عبد الكبير، رئيس المرصد التونسي لحقوق الإنسان، أن تُحسم، في مارس (آذار) 2019، قضية عودة 10 أطفال من أبناء التونسيين الذين التحقوا بتنظيم “داعش” في ليبيا، من أصل 40 طفلاً عالقاً هناك، وذلك بعد اكتمال الإجراءات التي تثبت هوياتهم.
ويؤكد عبد الكبير أن عدد الأطفال العالقين في ليبيا هو نحو 40 طفلاً، 10 منهم من الأيتام و21 برفقة أمهاتهم. ويكشف أن رفض الأمهات التنازل عن أبنائهنّ أسهم في تعقيد إجراءات عودة الأطفال إلى تونس.
ويقول عبد الكبير إن لجنة تضمّ ستّ وزارات تونسية تعمل من أجل وضع دراسة اجتماعية شاملة لضمان حياة كريمة للأطفال الذين سيعودون إلى تونس، إما إلى عائلاتهم أو ستتكفل الدولة بهم.
ويفيد بيان صادر عن الهلال الأحمر الليبي في مصراتة أنه تمّ الاتفاق بين الجانبين التونسي والليبي على استلام ستة أطفال منذ فترة، إلا أن الاتفاق لم يُنفّذ. وقام الوفد التونسي خلال يناير (كانون الثاني) 2019، ويتكوّن من فريق من وزارة الخارجية وفريق من الشرطة الفنية، خلال الزيارة، بأخذ عيّنات من الحمض النووي للأطفال للتحقق من هوياتهم.
وقُتل أغلب آباء هؤلاء الأطفال أو فرّوا أو سجنوا في معركة سرت في العام 2016. وكانت ليبيا قد طالبت في العديد من المناسبات تونس باستعادة أبناء المواطنين التونسيين الذين التحقوا بتنظيم “داعش” على أراضيها.
وكشف مركز دراسات أميركي أن عدد المقاتلات التونسيات المنضويات تحت لواء التنظيمات الإرهابية المقاتلة في ليبيا وسوريا يبلغ نحو 804، وأعتُقل 104 منهنّ يقبعن في السجون السورية أو الليبية. وهناك كثيرات منهنّ أنجبن أطفالاً هناك. ويطالب العديد من الجمعيات والمنظمات التونسية بضرورة فتح ملفهنّ والالتزام بإعادتهن مع أولادهنّ إلى بلادهن وإدماجهن في عائلاتهن الموسعة تماماً كما فعلت روسيا والشيشان وبلجيكا.
تقاعس الدولة
واعتبرت منظمة “هيومن رايتس ووتش”، في تقرير لها صدر الثلثاء 12 فبراير (شباط) 2018، أن المسؤولين التونسيين يتقاعسون في إعادة أطفال تونسيين محتجزين من دون تُهم في معسكرات وسجون تنظيم “داعش” في ليبيا وسوريا والعراق إلى بلدهم تونس.
وقالت إن أغلبية هؤلاء الأطفال محتجزون مع أمهاتهم، وأضافت أن أمهات الأطفال صرّحن، في مكالمات ورسائل نادرة مع عائلاتهنّ، أنهنّ يعشن في زنزانات مكتظة في ليبيا أو في معسكرات تتكوّن من خيام شمال شرقي سوريا، ويعانينَ من نقص حاد في الغذاء واللباس والدواء.
وقالت ليتا تايلر، باحثة أولى متخصّصة في مكافحة الإرهاب في “هيومن رايتس ووتش”، إن “المخاوف الأمنية المشروعة لا تبرّر تخلي الحكومات عن الأطفال ومواطنين آخرين محتجزين في معسكرات وسجون بائسة في الخارج. هناك أطفال تونسيون عالقون في هذه المعسكرات بلا تعليم ولا مستقبل، ولا أمل لهم في الخروج من هناك وحكومتهم لم تُقدّم أي مساعدة تُذكر”.
وأشارت المنظمة إلى أنه على الرغم من أن تونس ليست البلد الوحيد المتقاعس عن مساعدة هؤلاء النساء والأطفال العالقين على العودة إلى ديارهم، وأن كثيراً من الدول الأخرى لها موارد أكبر بكثير، إلا أن تونس لها واحدة من أكبر المجموعات في هذه المعسكرات.
وقالت “هيومن رايتس ووتش” إنها لم تجد أي أدلّة على رفض تونس استقبال مواطنيها على الحدود، إلا أن أغلبية المحتجزين أو كلهم ليس أمامهم أي طريقة لمغادرة المعسكرات والسجون الموصدة للوصول إلى القنصليات والحدود التونسية إلا بتدخّل من الحكومة.
وأضافت المنظمة أنه على الدول مثل تونس ضمان استرجاع مواطنيها الأطفال المحتجزين في الخارج حتى لو كانوا أبناء وبنات أعضاء مزعومين أو مؤكدين في “داعش” في شكل سريع وآمن، ما لم يكونوا يخشون تعرضهم إلى سوء المعاملة عند العودة. وإن كانت الأمهات محتجزات من دون تهم.
وقالت إنه عند عودتهم، يجب توفير خدمات إعادة تأهيل وإدماج لهؤلاء المواطنين، كما يجب معاملة الأطفال في المقام الأول على أنهم ضحايا.
تركة سنوات الإرهاب
وفي السياق ذاته، يقول عبيد الخليفي، أستاذ باحث في مركز البحوث والدراسات متخصّص في الإرهاب، إنه “في خضم الصراع السياسي في شأن كيفية التعامل مع تركة سنوات القتال في سوريا وليبيا والعراق، طرحت مسألة إنسانية حقوقية تتعلق بالأطفال التونسيين العالقين في مناطق التوتر”.
ويعتقد الخليفي أن “المسألة تتعلّق بواجب الدولة التونسية في استعادة الأطفال التونسيين كونهم تونسيين أولاً، ولكونهم لا يتحملون خطيئة آبائهم الذين التحقوا بهذه الجماعات ثانياً”. ويضيف أن “للمسألة بعدين قانوني وإنساني في أن تترك الدولة التونسية مواطنيها الأطفال القصّر عالقين في الإصلاحيات والسجون الأجنبية فلا يمكن معاقبة هؤلاء الأطفال بجريرة الآباء”.
وقال إنه ثبت أن الدولة التونسية تحرّكت في السياق الليبي، ونحتاج إلى أن تتحرك في السياقين السوري والعراقي لاستعادة الأطفال والعناية بهم وتأهيلهم نفسياً واجتماعياً.
المصدر : انديبندنت عربية
التعليقات مغلقة.