لمّا يرضخ عبد الرّحيم الزواري لإرادة مثقفيّ قْابس
بقلم : منير فلاح
منذ أسبوع كنت في مدينة قْابس لحضور إجتماع عام نظّمته الجبهة الشعبيّة هناك …وكانت فرصة للإلتقاء بالعديد من الوجوه اليساريّة من رفاق الأمس داخل حركة نوادي السّينما وأذكر منهم بالخصوص الأستاذ عبداللّه الحشايشي الرّئيس السّابق لنادي سينما قْابس في منتصف السّنوات الثّمانين من القرن الماضي. وما لا يعرفه العديد من أحبّاء السّينما أنّ قْابس كانت من أولى المدن التي وجد بها نادي سينما وكان هذا النّادي من المؤسّسين الأصليّين في منتصف القرن الفارط لجامعة نوادي السّينما في تونس مثله مثل نادي تونس ونادي فيري فيل (منزل بورقْيبة) ولوي لوميار بصفاقس ونادي سوسة الخ… ونادي قْابس كان في أواخر السّنوات السّبعين وبداية الثّمانين يعدّ ما يفوق الألف منخرطا وكان يقوم بثلاث عروض لنفس الفيلم(الخميس والجمعة والسّبت من كلّ أسبوع) ليمكّن كل منخرطيه من الفرجة والنّقاش…
وخلال لقائي بصديقي عبداللّه الحشايشي إسترجعنا معا مشاهد من تاريخ النّادي ونضاله من أجل نشر ثقافة سينمائيّة جادة وخاصة تلك الوقفة التي أجبرت أصغر والي في عهد بورقْيبة سي عبد الرّحيم الزّواري على التراجع في قراره بغلق النّادي. في تلك الفترة أرادت لجنة تنسيق الحزب الحاكم التخلّص من النّادي لأنّه أصبح يمثّل خطرا سياسيّا حسب نظرهم فأستصدروا للغرص قرارا من والي الجهة…لكنّهم تفاجؤوا بإصرار المنخرطين وإلتفافهم حول الهيئة وقيامهم بوقفات إحتجاجيّة حاشدة كلّ أسبوع أيام العروض أمام قاعة السّينما ممّا جعل السّلط المحليّة تدعو المكتب الجامعي للتفاوض حول إعادة فتح النّادي… وتحوّل للغرض رئيس الحركة في تلك الفترة سي نجيب عيّاد (المدير الحالي لأيّام قرطاج السّينمائيّة ) وكنت معه وإلتقينا بالسّيد الوالي الذي كان يفخر بأنّه أصغر والي سنّا يضطلع بهذه المهمّة في عهد الرّئيس بورقْيبة وحرص نجيب عيّاد أن يقدّم نفسه بأنّه حفيد المناضل الدّستوري الذي إحتضن مؤتمر الحزب في داره دار عيّاد بقصر هلال وكان لهذا التقديم وقعه في نفس سي عبد الرّحيم…وبعد نقاش طويل استعمل فيه نجيب عيّاد كلّ وسائل الإقناع وخرجنا بقرار إعادة النّادي لنشاطه وتمكينه من مقرّ ومنحة سنويّة.
نادي سينما قْابس كان مشعّا وناشطا على السّاحة الثّقافيّة ممّا أهّله لأن يكون شريكا فعليّا للمهرجان الدّولي وينظّم عديد النّدوات السّينمائيّة حول النّقد السّينمائي بحضور كبار النقّاد من تونس والوطن العربي وفرنسا نذكر منهم سلوى النّعيمي(من لبنان) ود.عبدالمجيد العيّادي(من تونس) وسارج داني(كرّاسات السّينما فرنسا) وأيضا ندوة الواقعيّة في السّينما العربيّة بحضور سعيد مراد من سوريا وخليل الدّامون من المغرب والنّوري بوزيد من تونس وسمير فريد من مصر (مداخلات النّدوة صدرت في كتاب خاص) وحضر النّدوة كضيف شرف أبو الواقعيّة في السّينما العربيّة “صلاح ابو سيف” … وما إكتشفته خلال زيارتي لقْابس مؤخّرا أنّ نادي السّينما كطائر الفينيق يحلّق من جديد ويعود لإشعاعه المعهود تحت تسمية جديدة كرّم بها أحد أبنائه الأبرار السّينمائي الفذ “الطّيب الوحيشي” طيّب اللّه ثراه …
هذا النّادي إلى جانب عروضه الأسبوعيّة يقوم بورشات تكوينيّة في النّقد السّينمائي وينظّم سنويّا أيّام الفيلم القصير التونسي.. وبقي النّادي وفيّا لحركة نوادي السّينما في هذا المهرجان وأسند جوائزه بأسماء مناضليها تخليدا لهم فالجائزة الكبرى حملت اسم “أسماء الفنّي” رئيسة سابقة للجامعة اختطفها الموت في عزّ العطاء وجائزة أفضل سينيفيل متابع للأيّام بإسم الشاب “عدنان المدّب “أحد كوادر حركتي نوادي السّينما والسّينمائيين الهواة فارقنا في غفلة منّا منذ 3سنوات…أمّا جائزة أفضل عمل أوّل حملت اسم ابن النّادي وابن الجهة الطّيب الوحيشي . نادي قْابس ولد كبيرا وسيبقى كبيرا بفضل حماس أفراد هيئته وحزام المتطوّعين من الشّابات والشّباب فيه…
التعليقات مغلقة.