وزيرة الداخلية اللبنانية تعلن عن نيتة إقرار الزواج المدني الاختياري
تستحقُ خطوة وزيرة الداخلية والبلديات ريا الحسن التقدير، إذ أعلنتْ نيتَها العمل على فتح حوار جدّي حول اقرار الزواج المدني الاختياري في لبنان. من موقعها التمثيلي في “الجمهورية الاكليركية”، تعلن وزيرة الداخلية المسلمة رأياً متقدماً في مقابلة مع “أورونيوز”، غير عابئة بمواقف دينية مناهضة متوقعة في الساعات الآتية. مواقف سبق أن صدرت عن مرجعية دار الفتوى في عهد الشيخ رشيد قباني وكفّرت أي مسؤول مسلم يعمل لاقرار الزواج المدني.
موقف الحسن المؤيد “لايجاد اطار للزواج المدني” يتماهى في الشكل مع اعلان رئيس الحكومة سعد الحريري دعم الحوار في شأنه، رغم اعترافه بحاجة المسألة الى مراحل زمنية في مجتمع طائفي معقد. الأكيد أن الحريري تخطّى مسألة التكفير حين تصدّى لدعوة المفتي قباني في العام 2013. حاجج يومها قائلاً: “صحيح أني لا أؤيد أن يتزوج أبنائي مدنياً، لكني لا أمنع هذا الحق من موقعي كرئيس حكومة عن كل اللبنانيين”، مستعيناً بالنموذج التركي وغيره، ليقول أن الزواج المدني لا ينتقص من ايمان المجتمع والدليل ملايين المسلمين الذين تزوجوا مدنياً. في تلك اللحظة، كان الرئيس سعد الحريري يتجاوز أيضاً لحظة سياسية حتّمت على والده الشهيد رفيق الحريري اقفال ملف الزواج المدني أمام تعصب الموقف الديني المعارض، على اعتبار أن “أحوال البلاد لا تسمح بذلك”.
تشهرُ وزيرة الداخلية اليوم موقفها المؤيد من الزواج المدني الاختياري في بداية مسيرة عملها. تتماهى في ذلك مع قماشة مدنية لطالما تغطى بها “تيار المستقبل” الذي ضمّت صفوفه الأمامية لسنوات مضت مجموعة من المستشارين والمسؤولين الآتين من مرجعية ثقافية ليبرالية.
تحظى السيدة الأولى على رأس وزارة الداخلية باحتضان “أولّي” من فئات كبيرة في المجتمع مناصرة لقضايا النساء وللانجاز في ملفات تعزز حضور الدولة المدنية وتطوير الأنظمة.
من يعرف الحسن يلمس مدى توقها الى ترك بصمات النجاح في الوزارة. منذ البيان الذي تلته في مناسبة تسلم مهماتها، بدَت واقعية في التركيز على الهوامش التي تتيح إحداث فرق. لا يعني الأمر أن مقارعة المربعات الأمنية والمطلوبين وتنفيذ الخطط الأمنية، ليست أولوية، لكن يبدو أن التركيز على تفاصيل يومية تغيّر في حياة المواطنين يحظى باهتمام ملحوظ في خطة الحسن التي تكرر الثقة في الأجهزة الأمنية وأدوارها.
الضوء الأخضر
مكاسب مماثلة ستسجل أيضاً للرئيس الحريري. ذلك أن بديهيات اللعبة السياسية تقول بأن ترك ضوء الانجاز الأخضر في ملعب ريا الحسن، مصلحة له ولصورة أدائه العام، لا سيما مع ما ينتظر حكومته وسلسلة كبيرة من المشاريع التي يدافع عنها في وجه معارضات تتوعد بفتح ملفات.
والآن على ريا الحسن المسارعة الى ترجمة موقفها من الزواج المدني أفعالاً. سلسلة ظروف تبدو مؤاتية اليوم، من العلاقة الايجابية بين دار الفتوى و”تيار المستقبل”، الى التقارب الذي يجمع الأخير مع أكثر من طرف سياسي داخلي مؤيد للزواج المدني الاختياري، الى الارث النضالي “المدني” الطويل والفئة الواسعة في المجتمع المؤيدة له. ضمن هذه الفئة جمعيات واعلاميون وناشطون مؤثرون على مواقع التواصل، وكوادر علمية وثقافية.
صحيح أن الطريق ليست وردية. ومعارضة المؤسسة الدينية ليست محصورة بالسٌنّة فحسب بل هي جذرية لدى الشيعة وموجودة لدى المسيحيين. ولا شك في أن أي معارضة تتعاظم حين تختلط بالسياسة كما هي الحال دائماً في بلدنا.
بمعزل عن كل ذلك، ندعوكِ سيدة ريا الى المسارعة بكل جرأة لوضع أطر الحوار الذي تحدثت عنه، والى اشراك الفئات المؤيدة لاقرار الزواج المدني الاختياري فيه. ندعوكِ الى اتخاذ القرار. حسبُ المسؤول أن يقدم ويقرن اسمه بالتغيير. ينحاز الى ألوف الشابات والشبان التواقين الى دولة عصرية في لبنان لا في قبرص، وليس الى الهاتفين له بعد نيل رخصة سلاح أو زجاج “فوميه”!
التعليقات مغلقة.